إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الصواريخ أرض - أرض الإستراتيجية، والمنظومات المضادة




مدفع الطاقة الحركية
مروحة فتحة العادم
مراحل تطور الصواريخ -1
مراحل تطور الصواريخ -2
مراحل تطور الصواريخ -3
مراحل تطور الصواريخ -4
النظام مؤاب
النظام الصاروخي (ثاد)
الرادار Green Pine
انطلاق الصاروخ Peacekeeper
الطائرة ماحيتس
الصاروخ أطلس ـ ب
الصاروخ Atlas E & F
الصاروخ CSS-3
الصاروخ CSS-N-3
الصاروخ تيتان ـ 1
الصاروخ بيرشنج
الصاروخ Galosh
الصاروخ Goddard
الصاروخ جوبيتر
الصاروخ King- Fish AS-6
الصاروخ Minuteman 1 & 3
الصاروخ Minuteman 2
الصاروخ ردستون
الصاروخ ساتيرن -5
الصاروخ Peacekeeper
الصاروخ Polaris
الصاروخ Poseidon
الصاروخ S-300
الصاروخ Shadook SS-N-3B
الصاروخ SS-11
الصاروخ SS-12
الصاروخ SS-13
الصاروخ SS-16
الصاروخ SS-20
الصاروخ SS-21
الصاروخ SS-4
الصاروخ SS-6
الصاروخ SS-7
الصاروخ SS-8
الصاروخ SS-9
الصاروخ SS-N-5
الصاروخ SS-N-6
الصاروخ SS-N-8
الصاروخ Tirdent-1
الصاروخ Titan-2
الصاروخ Tomahawk
الصاروخ V-2
الصاروخان Sprint & Spartan
الصاروخان SS-3, SS-5
جودارد وصناعة الصواريخ

أماكن توزيع النظام BMD
أنبوب البارود
محرك الدفع بالطاقة النووية
محرك الصواريخ بالوقود الصلب
محرك الصواريخ بالوقود السائل
محرك الصواريخ بالطاقة الكهربائية
إطلاق سد صواريخ
مكونات وعمل منظومة الدفاع
نظام الاستطلاع والإنذار
النظام NMD
النظام TMD
التغلب على المنظومة المضادة
الدرع الصاروخي الأمريكي
الطوربيد العربي
الصاروخان Mirak- 2 وA-3
سهام النيران الطائرة
صاروخ Frezien

أماكن فتح الصواريخ



مقدمة

المبحث الخامس

اتفاقيات حظر انتشار الصواريخ الإستراتيجية

إن المقدرة التدميرية المتزايدة في صناعة الأسلحة الحديثة قد جعلت الحد أو المنع لبعض أسلحة القوات المسلحة، موضوعًا، حظي بالاهتمام منذ الحرب العالمية الثانية، وقد بذلت بعض الجهود في هذا الاتجاه، بعد الحرب العالمية الأولى، ولوحظ عدم جدواها؛ لأن الأطراف الموقعة تجاهلوا التزاماتهم، عندما وجدوا أنها لا تتناسب ومصالحهم. إن مهمة مفاوضات الحد من الأسلحة أو اتفاقيات نزع السلاح قد تعلقت بالدول كل على حدة، لأن الأمم المتحدة أثبتت عجزها في لعب دور بارز في هذا المجال، وأي شيء يحرم أمة ما، من حرية العمل، من غير المحتمل أن يسلم إلى منظمة دولية في هذا الوقت، ولذلك على الدول أن تتعامل مع أعدائها الحقيقيين، أو المحتملين في محاولة للوصول إلى اتفاق في هذا المجال الحساس.

إن الحد من الأسلحة، هو اتفاق لوقف أو وضع حد لسباق التسلح، وربما لمنع استخدام نوع معين من الأسلحة، أما نزع السلاح فيعالج تخفيف القوى أو الأسلحة الموجودة، والدافع الأكثر أهمية في البحث عن مثل هذه الاتفاقيات هو منع الدمار النووي، الذي يقضي على كل الدول المشاركة في حالة النزاع. إن الأمم، التي تدخل في مفاوضات الحد من الأسلحة، تبحث عن استقرار إستراتيجي، والبحث عن مناخ للسلام العالمي يعتمد على جو السياسة العالمية.

ومن المهم إدراك أن الحد من الأسلحة واتفاقيات نزع السلاح، تهدف إلى تقليل الدمار الناتج عن الحرب، بدلاً من تجاهل وقوعه، ومن المرجو، أن تؤدي احتمالية تقليل الدمار، إلى مجتمع دولي أكثر تعقلاً، حيث تتم تسوية الخلافات من دون اللجوء إلى حرب نووية، وهناك دوافع أخرى للحد من الأسلحة ونزع السلاح، فمصادر الاقتصاد الهائلة يمكن توجيهها لمصلحة المواطنين، في جميع الدول، فيتعزز التعاون الدولي في جميع المجالات. ومن غير المعقول توقع حلول عصر سلام، مباشرة بعد نظام فعال للحد من الأسلحة ونزع السلاح، فالفوارق الأيدلوجية والاقتصادية لن تزول بين الدول، وأي سلام سيكون هشاً، كما أن المسائل، التي أدت إلى سباق التسلح بعد الحرب العالمية الثانية، هي نفسها التي جعلت الاتفاقات في هذا المجال صعبة التحقيق، في الوقت الحاضر، وهذه المسائل تضع حدودًا على ما يمكن الحصول عليه، وعلى دور أي معاهدات يمكن التوصل إليها. والتي قد تلعب دورًا في تقليل مخاوف الحرب.

أولاً: متطلبات تحقيق تقدم في مفاوضات الحد من الأسلحة

تأخذ الجهود لتحقيق الحد من الأسلحة وضبطها، مكانًا من خلال المفاوضات ضمن البيئة العامة للساحة السياسية الدولية، ولقد أدى تنافس القوى العظمى إلى اعتقاد بعض الأفراد صعوبة الوصول إلى اتفاقية ذات فاعليه، إذا أخذ بعين الاعتبار العداء الحالي بين الشرق والغرب، وعلى أي حال يمكن تحقيق نقاش معقول ينجح في تحديد أو تقليل الأسلحة النووية أو التقليدية، ويقدم فائدة لكل الدول، ويمكن أن تركز هذه الطريقة، مهما كانت بسيطة، على مجالات الاتفاق المحتملة، بدلاً من التركيز على عدم احتمال التوصل إلى معاهدات شاملة.

هناك متطلبات معينة لابد من وجودها، إذا أرادت مفاوضات الحد من الأسلحة أن تحصل على فرصة معقولة؛ كي تؤتى ثمارها. وهذه المتطلبات هي:

1. يجب أن يكون لدى الأطراف المشتركة في المفاوضات هدف لتحقيق بعض الأهداف السياسية أو الإستراتيجية، فما من معاهدة يمكن أن تضمن السلام، ولا يوجد أي ضمان لالتزام كل الأطراف المشتركة في معاهدة ما بشروطها، وحسب التعريف فالاتفاقات التي تحد أو تقلل من الأسلحة تمثل تخليًا عن درجة معينة من حرية العمل، ولهذا يجب أن يكون هناك مكافأة للأطراف الموقعة على معاهدة الحد من التسلح.

2. يجب أن يكون أي اتفاق مرضياً لرغبات المواطنين المحليين، وهذا أقل إشكالاً لدى دول مثل روسيا، التي تسيطر على وسائل إعلامها بإحكام، بينما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية، نقاش سياسي واسع حول أي معاهدة مع روسيا.

3. يجب أن تنشأ الحماية الكافية ضد التلاعب والغش في اتفاقات الحد من الأسلحة، لتعطي درجه من الحماية وتكون شرطًا مسبقًا للاتفاق.

4. يجب أن تأتي القوه الدافعة للحد من الأسلحة بصورة جدية، وفي أي شكل من القوتين العظميين، وقد تمتلك دولة أخرى مؤسسات عسكرية يحسب لها حسابها، وبعض الدول الأخرى تمتلك قدرات نووية، ولكن القوى العظمى هي التي تهيمن على الموقف العالمي، إن هذه الدول تعيش في جو من عدم الثقة والخوف المتبادل، نتيجة عدم إمكانية وجود خلفية مثالية للوصول إلى أي اتفاقيات، حول أي وسائل تتعلق بأمن الدول.

إن تصورات القوى العظمى تجبرههم على اتخاذ مواقف مساومة يقصد بها المحافظة على القوة النسبية لكل منهم أو زيادتها، وأما أن توقع إحدى القوى على اتفاقية لضبط الأسلحة قد تجعلها أضعف نسبيًا فهي قضية لا يمكن التفكير فيها، كما أن كل طرف لا يثق بسلامة النية عند الطرف الآخر، في الاحتفاظ بقوة عسكرية كافيه لمواجهه أي طارئ، وهذا يجعل الاتفاقيات صعبة التحقيق.

وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالتقويم الدقيق للقدرة العسكرية للمفاوض، والتقنية، ذات المستوى العالي في أنظمه الأسلحة الحديثة، تجعل مثل هذا التقويم من الصعوبة بمكان، خصوصًا فيما يتعلق بالأسلحة النووية، وذلك لأن أنظمة الإطلاق لم تستخدم في الحرب، فهناك فرق كبير بين إجراء التجارب في حاله الإطلاق تحت ظروف مسيطر عليها، وبين شن هجوم نووي تحت مقتضيات الحرب، لذا فإن السؤال الذي يدور حول زيادة القتل والتدمير، يدخل في النقاشات الداخلية للحد من التسلح، فكم يكفي من الأجهزة النووية؟، إن الأرقام التي تمتلكها القوى العظمى وصلت إلى أكثر مما ينبغي، لتُدَمِر كل منهم الأخرى، ولكن الشكل التنافسي لسباق التسلح يدفع إلى البحث عن صناعة صواريخ ذات تأثير أكيد، ولو قررت دولة أن لديها ما يكفي من القوى العسكرية، من حيث الكمية، فإنها ترغب بتحسين النوعية، كما أن عدم الشعور بالأمن المتبادل يؤدي بصانعي القرار إلى الرغبة في امتلاك الكثير من القوى النووية، بدلاً من امتلاك القليل.

إن طبيعة صنع القرار البيروقراطي، في أي نظام سياسي، وتأثير المؤسسة العسكرية في ضمان أى خطوات تجاه نزع السلاح والحد من الأسلحة، ستكون مؤقتة، وستدرس بعناية، ويرافقها جهود لتطوير جيل جديد من أسلحة أكثر تدميرًا من التي يتم تحديدها في الاتفاقية.

وتثار الشكوك حول جدية الولايات المتحدة أو روسيا في خفض مستوى القوى التدميرية للمؤسسة العسكرية، وإلى أي درجة مقبولة، فإذا وافقت الولايات المتحدة تخفيض جوهري في قوتها النووية، من دون تخفيض مماثل في القوات التقليدية لكلا القوتين فإنها ستكون في موقف يصعب الدفاع عنه لمواجهة التفوق العددي في قوة روسيا، إن الدولتين تحاولان أن تستفيدا من أي تقدم تقني تستطيعان الوصول إليه.

ثانياً: أبعاد التسلح

من الصعب إدراك تعقيدات مفاوضات الحد من الأسلحة ونزع السلاح، من دون إدراك أبعاد المشكلة، ففي عام 1975، قدر أن الاتحاد السوفيتي (السابق) يمتلك 11 رأسًا نوويًا لكل مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية، عدد سكانها مائة ألف مواطن أو أكثر، في حين تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية 36 رأسًا نوويًا لكل مدينة روسية مشابهة في الحجم، وحاليًا لدى كل من القوتين العظمتين أنظمة إطلاق من صواريخ عابرة للقارات، وغواصات نووية، إلى طائرات قاذفة إستراتيجية، وقد توصل الطرفان إلى درجة من التوازن النووي، فبمقدور كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تدمير الأخرى، بغض النظر عن من يبدأ النزاع، ولكن عدم الثقة المتأصلة في علاقتهما، تنمي الجيل القادم من الأسلحة، التي من ضمنها صواريخ عابرة للقارات، مزودة بعربات عودة مضاعفة، ويتم توجيهها بشكل مستقل، فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتطوير صاروخ برشينج أولاً، ثم تبعتها روسيا بصاروخ SS-20 في عام 1977، وفي نفس العام وجه صاروخ SS-20 إلى أوروبا لأول مرة، وبحلول عام 1983 خصص 243 صاروخ SS-20 لضرب دول حلف شمال الأطلسي، وهذه الصواريخ المتوسطة المدى، متحركة ودقيقة الإصابة؛ لذا تشكل تهديدًا مباشرًا ضد دول حلف شمال الأطلسي.

اعتبر الغرب تلك الأسلحة تخل بميزان القوى النووية، وقبل ذلك كانت تنتشر الأسلحة التعبوية الأمريكية والروسية على المسرح الأوروبي، وكان رد فعل دول حلف شمال الأطلسي يتمثل في نشر صواريخ برشينج 2 الأمريكية في ألمانيا الغربية أول عام 1983، كما نشرت أمريكا في إنجلترا صواريخ أقل من سرعة الصوت، ولكنها دقيقة الإصابة إلى درجة كبيرة، ويشكل الصاروخ برشينج خطرًا كبيرًا على روسيا؛ لأنه يصل إلى أهدافه في 8-12 دقيقة بإصابة دقيقة للغاية. وهذه ليست التحركات الأخيرة في تصاعد الأسلحة النووية، وإستراتيجيتها، وفي هذه الحالة كان سبب التغير في التوازن الإستراتيجي هو استخدام أنظمة أسلحة موجودة، ولكن بنقلها إلى مواقع جديدة، أما الآن فإن أوروبا الغربية وروسيا تقعان ضمن مدى وتأثير الصواريخ متعددة الأهداف.

ثالثاً: كبح سباق التسلح

إن أكثر الاتفاقيات أهمية في تحديد انتشار الأسلحة النووية هي تلك، التي أقرت عام 1968، واعتمدتها 155 دولة، وهي تنص، في بنودها، على أن الدول المشاركة في المعاهدة والتي لا تملك أسلحة نووية، في أثناء إقرار المعاهدة، لا يحق لها امتلاك تلك الأسلحة في المستقبل، بينما تنص المعاهدة، على حق تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية، أما الدول، التي لديها برامج نووية سلمية، فيجب أن تقبل تفتيش وكالة الطاقة النووية العالمية؛ للتأكد من أن المواد المشعة لم تحول من الاستخدامات السلمية إلى أخرى عسكرية، وهناك عدد من الدول، التي لديها برامج نووية، كالأرجنتين والبرازيل والهند وإسرائيل وباكستان وجنوب إفريقيا وإسبانيا، لم توقع على معاهدة وقف التسارع النووي.

لقد عززت الولايات المتحدة الأمريكية الرقابة على صادراتها النووية، بإصدار قرار وقف التسارع النووي، وهو يقضى بمنع بيع المعدات النووية وموادها لأي من الدول، التي تمتلك أسلحة نووية، ولم تقبل الحماية الأمنية، من قبل الوكالة العالمية للطاقة النووية، لجميع النشاطات النووية لديها، وهناك معاهدات دولية أخرى تحد من الانفجارات النووية ونشر الأسلحة النووية، مثل معاهدة منع إجراء التجارب النووية لسنة 1963م، والمعاهدات التي تمنع الأسلحة النووية في القطب الجنوبي 1963م، والتي تمنع الأسلحة النووية في الفضاء الخارجي 1967م، وفي قاع البحر 1971م، وقد منعت الأسلحة النووية أولاً في المناطق المأهولة بموجب معاهدة 1967م، لضمان منطقة في أمريكا اللاتينية خالية من الأسلحة النووية، ويشمل ذلك بورتوريكو، وجزر العذارى الأمريكية، وقاعدة جوانتنامو البحرية. أما برامج الطاقة النووية المعمول بها خارج الدول الكبرى، فتوجد في الأرجنتين والبرازيل وشيلى ومصر والهند والعراق وإسرائيل وكوريا الشمالية[1] وباكستان وجنوب إفريقيا، ويتوقع أن لدى أمريكا أكثر من سبعة آلاف سلاح نووي تعبوي في أوروبا، وفي روسيا ما يماثل هذا العدد، وهذه الإمكانيات التدميرية أكثر بكثير مما يحتاج إليه النزاع المحتمل بين الشرق والغرب، ومن ثم لم يسمح أي من الطرفين أن يكون عرضة لابتزاز الآخر، ولذلك يستمر سباق التسلح.

إن توسع الدول العظمى في التسلح النووي، فضلاً عن تطوير أسلحة نووية أخرى في دول حلف شمال الأطلنطي، يُعَقِّد عملية مفاوضات الحد من الأسلحة النووية. والخشية من تأخر إحدى الدول العظمى في سباق التسلح، وضعت عقبات أمام المفاوضات الأمريكية الروسية، منذ طورت روسيا قدرتها النووية، وأي اتفاق للحد من الأسلحة النووية سيعكس أهمية أكثر على الأسلحة التقليدية.

إن جهود تحديد الأسلحة الحديثة ترجع إلى مؤتمر هيج الأول والثاني عامي 1899، 1907م، وفي بداية القرن العشرين، أجمعت الدول على أن سباق التسلح سيؤدي إلى كارثة، وقد فشلت جهود تحديد الأسلحة، ولكن عقدت اتفاقيات خاصة بالمسائل الإنسانية، مثل معاملة الأسرى والسكان المدنيين في أوقات الحرب، ولقد أدى دمار الحرب العالمية الأولى إلى جهود جديدة لتحديد كمية الأسلحة ونوعها، ولا سيما القوات البحرية، كما أن معاهدة واشنطن عام 1922م، ومعاهدة لندن البحرية لعام 1930م، قد فرضتا تحديدات على الأنواع المتعددة للقطع البحرية، وفرضت على الأطراف الموقعة الالتزام بها، إلا أن هذه المعاهدات أثبتت أن التحديدات تُشكل عقبات للدول؛ لأن الدول المعادية تستخدم هذه التحديدات من أجل كسب أفضلية على الأطراف الموقعة الأخرى.

إن ربط سباق التسلح بنشوب الحرب مغالطة كبرى، إذ إن الصراع السياسي هو المتهم الحقيقي، وليس مجرد وجود سلاح، فالحرب تعد وسيلة من وسائل تنفيذ السياسة لأي دولة، إلا أن هناك رأياً يقول إن نشوب الحرب العالمية الثانية يمكن أن يعزى إلى فشل القوة العسكرية الرئيسية في الحد من السلاح، بشكل فعال، في فترة ما بين الحربيين العالميتين، بل إن رأيًا مغايرًا يقر بأن إعادة البناء للقوة العسكرية الألمانية، وتسليح اليابان، لم يكن من أسباب الحرب، بل إن فشل الاتحاد السوفيتي (السابق) في ذلك الوقت وفرنسا وبريطانيا العظمى في تسليح أنفسهم لمجابهة الأمر، كان سببًا في ذلك. إن عدم حدوث مواجهات عسكرية بين القوى الرئيسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يمكن أن يكون دليلاً على أن سباق التسلح له بعض الإيجابيات، كما أن هذه النظرية تؤمن بمخاطر الحرب العظيمة؛ لذا فلن تبدأ أي دولة بالاعتداء، كما أن التقدم العلمي والتقني في أنظمة الإطلاق، قد قلل من وقت الإنذار، وزاد من الدقة، وعظم القدرة التدميرية للأسلحة، مما يجعل نشوب الحرب نتيجة خطأ أو صدفة احتمالاً مخيفاً للكل، وهذا هو الاهتمام الرئيسي لصانعي القرار.

وحتى يتهيأ مناخ سياسي ملائم لمحادثات الحد من الأسلحة، أو تخفيضها، فلا ينتظر أن يحدث تقدم فعلي من خلال المعاهدات، ولا يقصد من هذا أن الحد من الأسلحة أو نزع السلاح يجب أن ينتظر وضعًا خاليًا من الخوف من الحرب، فإن ذلك اليوم ربما يكون بعيدًا، ويمكن أن يتصور، أن الدول في النهاية ستوافق على الحد من الأسلحة، ليكون دمار الحرب محدودًا ومتمشيًا مع أهداف الحرب السياسية المحدودة.وهذا يتطلب اعترافًا متبادلاً بوجود حقوق في البقاء للأطراف المتنازعة، واختيار الشكل السياسي الملائم لهم. إن مبدأ، عش ودع غيرك يعش، ليس من صفات الدول العظمى، ولا يمكن ترك التزامات المعاهدة إلى الثقة المتبادلة، إذ إن أنظمه الاستطلاع المتقدمة التقنية من الأقمار الصناعية، عامل إيجابي في البحث والتفتيش والإحصاء والمراقبة، كما أنه يعد بديلاً لمسألة التفتيش المعقدة، التي كانت عقبة رئيسية في محادثات الحد من الأسلحة النووية السابقة.

في عام 1962، قدمت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، سابقًا، اقتراحات إلى هيئة الأمم المتحدة، تدعو فيها إلى نزع سلاح كامل، ولكن الخلافات بينهما لم يتم تسويتها في ذلك الوقت، حين تركزت على أنظمة التفتيش، وعلى التأكيد أن عدم التوصل إلى اتفاقية كان متوقعًا، وارتفعت درجة التوتر العالي، بين القوى العظمى في ذلك الوقت.

وفيما يلي أهم ملامح المعاهدات التي أبرمت لكبح سباق التسلح، وصولاً إلى الحد من الأسلحة الإستراتيجية:

1. معاهدة القطب الجنوبي

تمت هذه المعاهدة عام 1959، وتعد أول محاولة ناجحة للنهوض بأعباء نزع السلاح الكامل لشبه القارة، وتناولت هذه الاتفاقية نقاطًا لم تكن موضوعًا للنزاع السياسي لسباق التسلح، ووقع على هذه المعاهدة 15 دولة. وكان المفترض فيها أن تكون خطوة في اتجاه الحد من الأسلحة، ولكن لم يتم ذلك. إن مشكلة الحد من التسلح، أو إزالته، هي مشكلة معقدة، إن أكثر من اتفاقية مثل هذه لا تقيم أسلحة في منطقة جغرافية ذات أهمية سياسية متدنية، إلا أن لدى الموقعين اهتمامًا متجددًا في المنطقة القطبية الجنوبية، خاصة أن هناك توقعات باحتواء هذه المنطقة على احتياطي كبير من النفط والذهب والبلاتينيوم واليورانيوم، إلا أن عملية استخراج هذه الكنوز من باطن الأرض لم يتم تقديرها بشكل تام، وهذا يخضع هذه المعاهدة لقيود لم تكن متوقعة عند توقيعها.

2. حظر تجارب الأسلحة النووية

في عام 1986، وقع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ممثلون عن الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي سابقًا، وبريطانيا، وخمسين دولة أخرى، وكان هذا التوقيع غاية المفاوضات، التي بدأت عام 1956، وتعد هذه المعاهدة الأكثر شمولاً للحد من الأسلحة ونزع السلاح، إن المفاوضات، التي سبقت هذه المعاهدة، كشفت المصالح المختلفة، والأساليب التي تتبعها القوى النووية.

3. معاهدة الفضاء الخارجي

إن الاكتشافات، التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، في الفضاء الخارجي، أدت إلى مخاوف من أن تقنية الفضاء سوف تستخدم لأغراض عسكرية، ويمكن وضع أجهزة نووية في مدارات، كما أن الاتفاقية حول المبادئ، التي تحكم نشاطات الدول في اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجي، قد تمت الموافقة عليها في الأمم المتحدة عام 1966، وتشترط هذه المعاهدة على الدول المشاركة في الاتفاقية، أن تتعهد بعدم وضع أي أجسام تحمل أسلحة نووية في مدارات حول الأرض، أو أي أنواع أسلحة أخرى يمكن أن تؤدى إلى دمار شامل، أو تركيب مثل هذه الأسلحة على الأجسام السماوية أو وضع هذه الأسلحة في الفضاء الخارجي بأي طريقة أخرى، وكان لذلك أثر في إيجاد منطقة منزوعة السلاح النووي في الفضاء الخارجي.

وعلى الرغم من قدرة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق)، بالاحتفاظ بأقمار صناعية كثيرة تدور في الفضاء، فإنها قد فتحت الطريق أمام احتمالات عسكرة الفضاء، وإذا منعت المعاهدة أسلحة الدمار الشامل، فهل شمل هذا المنع الأسلحة الدفاعية مثل أشعة الليزر، التي وضعت في الفضاء لتدمير الصواريخ المعادية لحظة إطلاقها؟ يبدو أن الفضاء مازال يقدم قوى عسكرية مهمة إلى أبعد مدى على الرغم من أن ذلك ليس من جوهر الاتفاقية.

لقد دعا الرئيس ريجان، في مارس 1983، فيما كان يسمى حرب النجوم، إلى تطوير نظام قواعد فضائية للأسلحة الدفاعية، ودعوته هذه اقتراح لتسليح الفضاء، وفي حالة تنفيذه، سيزيد من سباق التسلح بالأسلحة النووية الهجومية، إلى جانب الأنظمة الدفاعية، ومن ثم فقد ألقى كثير من العلماء ظلالاً من الشك على احتمال تنفيذ اقتراح ريجان.

4. معاهدة أعماق البحار

لقد لحق باتفاقية حظر الأسلحة النووية في الفضاء الخارجي، اتفاقية أخرى عام 1971؛ لمنع وضع أسلحة نووية، وأنواع أخرى من الأسلحة ذات الدمار الشامل، في أعماق البحار، وقيعان المحيطات، وطبقات الأرض الواقعة تحت التربة، كما تمنع هذه الاتفاقية وضع أسلحة نووية، أو أسلحة أخرى ذات دمار شامل، يمتد إلى أبعد من 121 ميلاً، من المنطقة الساحلية، كما تنص الاتفاقية على أن تقديم شروط للتفتيش على الأسلحة هو خدمة للاتفاقية نوعًا ما، على الرغم من أن هذه الشروط تتضمن فقط ما يعد في العادة مياهًا دولية، وبما أن البحر يغطي ثلثي الكرة الأرضية، فإن هذه الاتفاقية، مقرونة باتفاقية الفضاء الخارجي، تساعد على تحديد مناطق التدمير النووي المحتملة.

5. معاهدة منع تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية

وافقت الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي (السابق)، وبمصادقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، على معاهدة لمنع تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة الجرثومية والسامة، بما تلحقه من دمار، وكان المفروض أن تصبح هذه الاتفاقية سارية المفعول، عند التصديق عليها من 22 دولة، من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفيتي (السابق)، أما المشاكل المتعلقة بإجراءات التأكد من الأسلحة، وتدمير المخزون الاحتياطي، فلم يتم حلها، ولكن توجد تعهدات من جانب واحد من الدول المعنية، لتجنب استخدام العوامل الكيماوية والجرثومية، وقد أثيرت أسئلة جديدة حول فاعلية اتفاقية جنيف في المستقبل، نتيجة استخدام العراق للغازات الحارقة ضد إيران، لأن أي انتهاك لهذه الاتفاقية يمكن أن يوجد سابقة لا مثيل لها.

6. نزع السلاح

أ. أهمية نزع السلاح

بعد أن استخدمت القنبلة الذرية الأمريكية ضد اليابان، تغير وجه العالم علمياً وتكنولوجياً وعسكريًا وسياسيًا، وتربعت الولايات المتحدة الأمريكية على قمة العالم، لا بملكيتها للسلاح النووي فحسب، بل لممارستها لأول مرة في التاريخ الإدارة العلمية والتقنية للعلم والبحث والتطوير، الذي صاحب تفجير القنبلة النووية، وهي ثورة التحام العلم بالتكنولوجيا، والتي أثبتت أن سلطان العلم سلطان هائل، يعتمد على أدق دقائق المادة إلى أقصى أطراف الفضاء، كما ولدت في هذه الفترة الجذور الرئيسية لسياسات منع الانتشار، والتي نبعت من الاهتمامات السياسية للعلماء في هذا الأمر الخطير، وهي:

(1) السرية.

(2) أهمية الثقة المتبادلة في العلاقات النووية.

(3) ليس هناك اختراع علمي لمواجهة القوة التدميرية للسلاح النووي، ويواجه بواسطة رقابة دولية فعالة، أو نظام عال للضمانات، ووجود جهاز دولي لذلك.

(4) لا يمكن الاحتفاظ بالسرية لفترة طويلة، وسوف يختفي السبق النووي في وقت ما.

(5) أهمية حرية تداول المعلومات في وجود رقابة فعالة.

(6) التنازل عن السلاح النووي.

(7) تأثير السلاح النووي وما يسببه من دمار ورعب وخوف، على السياسة النووية.

إن الجذور السابقة كانت محور التحول السياسي والدبلوماسي العالمي، من ذلك الحين حتى الآن.

ب. بدء محاولات لنزع السلاح

في نوفمبر 1945، عقد اجتماع بين الرئيس الأمريكي، ورئيس الوزراء البريطاني، ورئيس وزراء كندا، لوضع سياستهم النووية، في المرحلة القادمة، وتم اتفاقهم على الاستمرار في السرية، والاستمرار في سياسة شراء كل اليورانيوم المتاح في العالم الغربي، وبالنسبة إلى الاستخدامات السلمية الذرية، أعلنوا أن هذه الاستخدامات تعتمد إلى حد كبير، على نفس الطرق والوسائل والعمليات، التي تستخدم في إنتاج السلاح، وعدم اقتناعهم السماح بنشر هذه المعلومات المتخصصة، قبل التوصل إلى نظام ضمانات فعال وقابل للتطبيق، ومقبول من دول الأمم المتحدة، كما أعلنوا عن ضرورة إنشاء لجنة تابعة للأمم المتحدة، لتقديم التوصيات بخصوص الوسائل الفعالة لحذف استخدام الطاقة الذرية في الأغراض الحربية، وتشجيع استخداماتها سلميًا. وجدير بالذكر أن عدد القنابل الذرية وقتها كان في حدود بضع عشرات وكان من الممكن التوصل إلى اتفاق عالمي.

ج. حصاد الاتفاقيات

إن اتفاقيات الحد من الأسلحة، التي أبرمت منذ الحرب العالمية الثانية، مثلت تقدمًا محدودًا نحو تقليل الدمار الناتج عن الحرب، ويعد الدمار، الذي حدث في فيتنام، دليلاً على أن دمار الأسلحة التقليدية يستطيع أن يدمر دولاً، كما تفعل الأسلحة النووية، والتشويه الذي أصاب ضحايا الهجمات النووية في نجازاكي وهيروشيما، يمكن مقارنته بالنابالم في ضحايا الحرب، في جنوب شرق آسيا، ويمكن القول إن المعاهدات، التي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية، لم تتعد إشارات رمزية لإرضاء الرأي العام، بدلاً من كونها جهودًا جادة للحد من الدمار الشامل، إلا أنها خدمت الهدف المهم المتمثل في إظهار جوانب المشكلة، التي يجب حلها من أجل التوصل إلى اتفاقيات تحديد الأسلحة.

إن مفاوضات تقليص الأسلحة الإستراتيجية START بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وكذلك المحادثات بين دول حلف شمال الأطلسي NATO وحلف وارسو، حول تقليص متبادل للقوات، بما تتضمنه من مشاكل رئيسية؛ تتعلق بالسيطرة على الأسلحة وتحديدها، ولأن هذه المحادثات تتعلق مباشرة بدول ذات خلفية عدوانية، في فترة ما بعد الحرب، فإن الصعوبات في الوصول إلى اتفاقية، مبالغ فيها، ويمكن مناقشة تلك الجهود ضمن إطار الاعتبارات الإستراتيجية والسياسية، التي تحدد موقف المشاركة في التفاوض.

رابعاً: اتفاقيات الحد من الأسلحة الإستراتيجية

1. محادثات الحد من الأسلحة الإستراتيجية

افتتحت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق) محادثات الحد من الأسلحة الإستراتيجية في عام 1969؛ نتيجة لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لعام 1968، وحل عام 1971 قبل الوصول إلى أي اتفاقيات، وكانت هذه الاتفاقيات تتعلق بتحسين الاتصالات، عن طريق الخط الساخن، الذي أنشئ في عام 1963، كما تتعلق بوضع إجراءات لتقليل خطر حرب عفوية، بسبب عدم صحة المعلومات، وقد تم التوصل إلى أول اتفاقية حقيقية عام 1972، وكانت الفترة الزمنية المطلوبة لإحراز تقدم في هذا المجال، دليلاً على صعوبة الاتفاق، وعلى تردد الدول في اتخاذ أي خطوات قد تقلل من قواتها العسكرية النسبية سواء بسواء.

2. الاتفاقية الأولى للحد من الأسلحة الإستراتيجية ((SALT-1  Strategic Arms Limitation Talk -1

إن اتفاقية الصواريخ الباليستية، التي وُقعت في عام 1972م هي أهم اتفاقية توصل إليها، إذ إن الاتفاقية تسمح لكل دولة بنشر موقعين فقط للصواريخ ABM ، بمجموع كلي يصل إلى مائتي قاذف + مائتي صاروخ، كما أن الاتفاقية تمنع التطوير، أو الاختبار، أو تطوير أي نوع آخر من صواريخ ABM ، بغض النظر عن كيفية إطلاقها، ومكان قواعدها، و لقد كان لهذا الاتفاق أثر على وقف السباق المكلف لدفاعات صواريخ ABM  في أرجاء العالم. ويتضح، من ذلك، أن تقليل انتشار الأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية ABM، يترك كلاً من الدولتين العظميين، معرضة للدمار النووي، ويعتقد بأن هذه الإمكانية المؤكدة للدمار مهمة في التخلص من أي إغراء لشن هجوم مباغت.

ولقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تطوير صواريخ باتريوت المتقدمة، التي لديها القدرة على تدمير الصواريخ السوفيتية، كما قام الاتحاد السوفيتي بتطوير الصاروخ سام 12- S300، وهو صاروخ متحرك للدفاع الجوي، وبمهمة وقدرة مشابهة للصاروخ الأمريكي، بالإضافة إلى، ذلك فقد أعلن السلاح الجوى الأمريكي، في يناير عام 1984، أنه قام باختبار صاروخ متقدم صمم لتدمير الأقمار الصناعية، ويعد هذا تطويرًا مهمًا؛ لأن محادثات SALT-1 تشترط أن هذه المعاهدة يجب أن تنفذ باستخدام أقمار صناعية للمراقبة من كلتا الدولتين، وهذه الأقمار الصناعية يسمح لها بالعمل من دون إعاقة. إن اتفاقية SALT-1 المؤقتة منعت البدء بنصب صواريخ أرضية إضافية، أو بناء غواصات إضافية حاملة للصواريخ، أما الطائرات القاذفة، التي تحمل قنابل أو رؤوسًا نووية متعددة، فلم تشملها هذه الاتفاقية.

وعلى هذا فقد كانت هذه الاتفاقية ذات أهمية حقيقية محدودة؛ بسبب الضغط المتواصل لبرامج التقنية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، من أجل تطوير المزيد من التقنية لتُستبدل بالأسلحة القديمة أسلحة أكثر تعقيدًا، وكانت التحديدات على أعداد الصواريخ، ولكن  الاستبدال كان مسموحًا به، حتى السنوات الخمس الأخيرة حتى عام 1977، وهو يتيح للولايات المتحدة الأمريكية الحصول على 1710 صاروخ، وللاتحاد السوفيتي (السابق) الحصول على 2360 صاروخًا. ولأن اتفاقية SALT-1 تقضي على فرصة تطوير صواريخ ABM دفاعية وفعالة، فإن بعض الأمريكيين نظروا إليها على أنها تُخل بالقدرة التقنية للولايات المتحدة الأمريكية، مقابل معاهدة غير مضمونة النتائج.

وأفضل حديث لإقناع الذات للحد من الأسلحة، هو أنه لا يمكن تصور دفاع كامل، فقد يخترق عدد ما من الصواريخ إلى العمق متفاديًا وسائل الدفاع الجوي، كما أن الاتفاقية تمثل نوع التسوية، التي يجب التوصل إليها، وبما أن كلتا الدولتين كانتا في المراحل الأولى من تطوير صواريخ ABM، فلم تفقد أي منهما ميزة مهمة، ويمكن التوصل إلى اتفاقية الحد من الأسلحة في المراحل الأولى من ابتكارها.

3. الاتفاقية الثانية للحد من الأسلحة الإستراتيجية SALT-2

تسمى الجولة الثانية من المحادثات الخاصة بالحد من الأسلحة الإستراتيجية بـ SALT-2، وقد بدأت في عام 1972، بهدف إعداد صيغة، أكثر سيطرة على الأسلحة النووية، وتقليصها بشكل نهائي، وفي عام 1974، تمت الموافقة على تحديد موقع واحد للصواريخ ABM، بدلاً من الموقعين المسموح بهما في اتفاقية SALT-1، ويعد هذا اعترافًا بحقيقة أن الصواريخ ABM لم تكن مجدية، كما اتفق على وجوب التوصل إلى اتفاقية تدوم حتى عام 1985، قبل انتهاء اتفاقية السنوات الخمس والموقعة في عام 1972، SALT-1 وانتهت المفاوضات إلى صياغة اتفاقية وقعها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية في جنيف يوم 18 يونيه 1979، وسميت SALT-2، ولم يصدق مجلس الشيوخ الأمريكي عليها؛ بسبب غزو الاتحاد السوفيتي (السابق) لأفغانستان، في ذلك الوقت، مما أثار شكوك مجلس الشيوخ، حول ترتيب المعاهدات، كما رفض الرئيس الأمريكي ريجان، الاعتراف بالمعاهدة فور توليه رئاسة الولايات المتحدة، وأعلن عن نيته في إعادة التفاوض في هذه المسائل، بينما يزداد نشر الأسلحة النووية، وبالرغم من موقف الرئيس ريجان، فإن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة تعهدا بالالتزام باتفاقية SALT-1، ومع تقدم مباحثات SALT-2، بدأت تظهر خلافات واضحة في المصالح، بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق) نوجزها في الآتي:

أ. أسلوب تحديد الصواريخ ذات الرؤوس المتعددة وأسلوب التحقق منها.

ب. الوزن المحمول للصاروخ Payload، وهل القياس بإجمالي الوزن المحمول للصاروخ، أم بعدد الصواريخ؟

ج. أسلوب حساب الطائرات القاذفة المسموح بها 400 قاذفة، وهل تحسب كل قاذفة قادرة على حمل سلاح نووي، أم القاذفات الكبيرة الإستراتيجية المصممة لهذا الغرض فقط؟

د. معنى الصواريخ الطوافة، والتي تطلقها الطائرات، فالصواريخ التي يزيد مداها عن 600 ميل  محظورة الاستعمال، فكيف يمكن التأكد من المدى؟

هـ. مدى الطائرات، يقيسه الاتحاد السوفيتي بالطائرات، التي لديها القدرة على المهاجمة ثم العودة إلى قواعدها، ولكن الولايات المتحدة تعترض وتريد الحساب على الطائرات ذات المدى الكافي للهجوم والنزول في أقرب بلد موال، مثل كوبا مثلاً.

إن المشاكل، التي لازمت محادثات SALT، توضح مدى تعقيد الحد من الأسلحة في أحسن الظروف، والاتفاقيات، التي تم التوصل إليها لاحقًا، كانت بمثابة إعلانات من جانب واحد، وأن اتفاقية SALT-1 سوف تحترم، وقد شملت اتفاقية SALT-2 النقاط الرئيسية الآتية:

أ. الحد الأقصى لعدد الصواريخ عابرة القارات هو 1320 صاروخًا.

ب. لا يزيد عدد الرؤوس، التي تحملها تلك الصواريخ عن 2400 رأس.

ج. وضعت الاتفاقية حدًا أقصى لعدد القاذفات المسلحة بالصواريخ الطوافة.

د. منعت الاتفاقية نشر صواريخ جديدة متحركة عابرة للقارات.

4. اتفاقية خفض الأسلحة الإستراتيجية الأولى (START-1) Strategic Arms Reduction Talks

في 29 شهر يونيه 1982، بدأت الدولتان العظميان محادثات خفض الأسلحة الإستراتيجية  في جنيف، واتخذت المحادثات اسمًا جديدًا هو ستارت START ، ودارت المباحثات حول تخفيض متبادل في الأسلحة الموجودة، أي التخلص من بعض ما لدى القوتين العظميين من أسلحة إستراتيجية، وهذا يصعب الوصول إلى اتفاق حوله، فضلاً عن أن المناخ السائد بين الدولتين لم يكن مناسبًا لتحقيق أي اتفاق، لأن السوفيت استبدلوا بصواريخهم النووية SS-4،SS-5، المقامة في أوروبا، أخرى حديثة متعددة الرؤوس، من طراز SS-20، كما ردت الولايات المتحدة بنشر صواريخ برشينج في أوروبا، ولم يكن هناك أمل في تحقيق أي اتفاق، وانسحب الوفد السوفيتي من المحادثات في ديسمبر 1983م.

تجددت الآمال عندما تولى جورباتشوف السلطة، وعادت الوفود مرة أخرى إلى جنيف، وفي سبتمبر 1985، تقدم الاتحاد السوفيتي بمقترحات، من أهم نقاطها ما يلي:

أ. عدد الرؤوس النووية لدى كل طرف لا يتعدى ستة آلاف رأس.

ب. عدد الرؤوس في أي من المحاور البري أو البحري أو الجوي لا يتعدى 3600 رأس.

ج. إلغاء صواريخ كروز، التي تطلق من البحر.

د. كما نادى السوفيت بوقف مبادرة الدفاع الإستراتيجي المسماة بـ (حرب النجوم).

رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بخفض الصواريخ الباليستية ICBM، التي يتفوق فيها السوفيت، مع رفضها الحديث في موضوع مبادرة الدفاع الإستراتيجي حرب النجوم، وفي أكتوبر 1985، قدم الجانب الأمريكي الرد على المقترحات السوفيتية، وشمل الآتي:

أ. الرؤوس النووية لا تتعدى 4500 رأس، منها 3000 محور بري، و1500 محور بحري.

ب. القاذفات الإستراتيجية لا تتعدى 250 طائرة، بما فيها القاذفة Backfire السوفيتية.

ج. إلغاء الصواريخ الباليستية عابرة القارات المتحركة.

د. لا قيود على الصواريخ الطوافة، التي تطلق من البحر.

أهم بنود اتفاقية START-1

في عام 1985م، نجحت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق)، في وضع اتفاقية تخفيض الأسلحة الإستراتيجية START-1، ونصت الاتفاقية على أن يتم تنفيذها خلال سبع سنوات، ووقع الرئيسان الأمريكي والسوفيتي عليها في مايو 1992م، وأهم بنود هذه الاتفاقية هو الآتي:

أ. الولايات المتحدة الأمريكية

(1) القاذفات الإستراتيجية: الاحتفاظ بالآتي: 47 قاذفة B-52h + 94 قاذفة B-1- + 20 قاذفه B-2.

(2) الصواريخ عابرات القارات ICBM : الاحتفاظ بـ 50 صاروخ MX، مع تخفيض الرؤوس النووية لـ 300 صاروخ Minuteman-3 إلى رأس واحد، بدلاً من ثلاثة، والاحتفاظ بثلاثة رؤوس لـ 200 صاروخ أخرى. (اُنظر صورة الصاروخ Minuteman-1 & 3)

(3) الصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات SLBM: الاحتفاظ بـ240 صاروخ Trident – 2،D5 + 192 صاروخ Trident – 1، C4.

ب. روسيا (الاتحاد السوفيتي السابق)

(1) القاذفات الإستراتيجية: الاحتفاظ بالآتي: 36 قاذفة TU – 95h، تسلح كل منها بـ 16 صاروخًا طوافًا نوويًا + 27 قاذفة TU – 95h، تسلح كل منها بستة صواريخ نووية طوافة + خمس قاذفاتTU – 160 Blackjack ، يسلح كل منها بـ 12 صاروخًا طوافًا نوويًا.

(2) الصواريخ عابرات القارات ICBM:  الاحتفاظ بالآتي: 525 صاروخ SS – 25 متحرك + 154 صاروخ SS – 18، و105 صواريخ SS – 19، وعشرة صواريخ SS – 24، و50 صاروخ SS – 25، على أن تتمركز جميعها في مواقع ثابتة + 33 صاروخًا متحركًا على عربات سكة حديد.

(3) الصواريخ الباليستية التي تطلق من غواصات SLBM : الاحتفاظ بالآتي: 176 صاروخ SS – N – 18، و120 صاروخ SS – N – 20 ، تخفض رؤوسها النووية إلى ستة رؤوس فقط لكل صاروخ + 112 صاروخ SS – N – 23. (اُنظر صورة الصاروخ SS-20)

في عام 1992، تفكك الاتحاد السوفيتي، وعقد اجتماع في لشبونة ووقعت ثلاث دول سوفيتية سابقة عليه، وتعهدت بالتخلص مما لديها من الأسلحة النووية، وأن تصبح دولاً غير نووية، وهذه الدول هي، بيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان.

5. اتفاقية خفض الأسلحة الإستراتيجية الثانية START-2

وقعت هذه الاتفاقية في يناير 1993م، ونصت على أنه بحلول يناير 2003، تكون روسيا والولايات المتحدة الأمريكية قد خفضتا ما لديهما من رؤوس نووية إستراتيجية إلى 3000- 3500 رأس واشتملت أهم بنود الاتفاقية على الآتي:

أ. الولايات المتحدة الأمريكية

(1) الاحتفاظ بـ 300 صاروخ Minuteman-3، على أن يتم تسليحها برأس واحد بدلاً من ثلاثة. (اُنظر صورة Minuteman 1 & 3)

(2) إزالة جميع الصواريخ، التي تحمل عشرة رؤوس نووية، بما فيها الصواريخ MX الأمريكية.

(3) الاحتفاظ برأس نووي واحد لكل صاروخ عابر للقارات ICBM.

(4) الحد الأقصى للصواريخ، التي تطلق من الغواصات هو 1750 صاروخاً، ويمكن للصاروخ أن يحمل أي عدد من الرؤوس النووية.

(5) تخفيض الرؤوس النووية، التي تحملها الصواريخ Trident – 1, 2 إلى أربعة رؤوس بدلاً من ثمانية. (اُنظر صورة الصاروخ Trident – 1)

(6) السماح بـ95 قاذفة إستراتيجية B-52G، تُسلح كل واحدة بـ 20 صاروخًا طوافاً ذا رأس نووي واحد.

ب. روسيا

(1) الاحتفاظ بـ 105 صواريخ  SS – 19، مسلحة برأس واحد، بدلاً من ستة رؤوس.

(2) إزالة جميع الصواريخ، التي تحمل عشرة رؤوس نووية، بما فيها الصواريخ SS – 24, SS – 18 الروسية.

(3) الحد الأقصى للصواريخ، التي تطلق من الغواصات هو 1750 صاروخاً ويمكن للصاروخ أن يحمل أي عدد من الرؤوس النووية.

(4) الاحتفاظ برأس نووي واحد لكل صاروخ عابر للقارات ICBM.

(5) السماح بـ 40 قاذفة TU – 95 h 16، تسلح كل منها بـ 16 صاروخًا طوافاً + 27 طائرة TU – 95 h مسلحة بستة صواريخ طوافة ذات رأس نووي واحد.

خامساً: القيادة والسيطرة

تعد القيادة والسيطرة معضلة في غاية التعقيد، إذ عليها أن تحقق هدفين متضادين، وهما، المنع الصارم لأي إطلاق خطأ، وفي نفس الوقت السرعة الفائقة في الإطلاق الصحيح.

ولمنع الإطلاق الخاطئ، وضع أمر الإطلاق في يد أعلى سلطة في الدولة، ووضعت إجراءات في غاية الصرامة، تشبه في فكرتها وجود أكثر من قفل لباب واحد، فلا يمكن لأي شخص أن يطلق الصاروخ وحده، ومن ثم فلو أن شخصًا أخطأ أو أصيب بالجنون مثلاً، فإنه لن يتمكن، وحده، من إطلاق الصاروخ، كما أنشئ الخط الأحمر الساخن، بين الرئيسين الأمريكي والروسي؛ لتدارك الموقف بمجرد حدوث أي خطأ.

أما إذا بدأ أحد الأطراف في توجيه الضربة النووية الأولى عامدًا، فمن المحتم أن تبدأ الضربة الانتقامية من الطرف الآخر فورًا، ولهذا أنشئت مراكز عمليات، مجهزة بأحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الحواسب الإلكترونية، وشاشات العرض، وأجهزه الاتصال، ولكل منها أكثر من مركز تبادلي، ونشرت في أماكن مختلفة وحصنت، كما جهزت مراكز عمليات طائرة تبادلية.

ومن هنا نرى أن مفاوضات تخفيض مستويات التسليح، هي أحد جوانب عملية إعادة هيكلة النظام الدولي، وتفكيك هياكل الحرب الباردة عمومًا، وتعد هذه التحولات أكثر عمليات بناء نظام دولي جديد اقترابًا من المنظور الإيجابي لعملية بناء السلام.



[1] تعتبر كوريا الشمالية حاليا من الدول التي لها برنامج نووي