إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / العمليات النفسية (الحرب النفسية)





مخطط تنظيم فريق العمليات
مقترح لتنظيم مركز عمليات نفسية
مقترح لشبكة مراكز العمليات النفسية
التخطيط للعمليات النفسية
التعامل النفسي المعاصر
التعامل النفسي الصهيوني
الحرب النفسية في العمليات العسكرية
تنظيم إدارة التخطيط للعمليات النفسية
تنظيم سرية عمليات نفسية
تنظيم كتيبة عمليات نفسية
تطور الدعاية الصهيونية
سلم ماسلو للحاجات
منشور طريقة الانضمام
بطاقة مرور أمن
بطاقة دعوة
شعار القوات المشتركة
كاريكاتير نفسي 1
كاريكاتير نفسي 2
قصف الفرقة 16 مشاة

مناطق الإسقاط بالبالون
مناطق الإسقاط بالطائرة س 130
مواقع القوات العراقية



المبحث الحادي عشر

المبحث الحادي عشر

تطور مفاهيم ووظائف العمليات النفسية

تُعد العمليات النفسية من أسلحة الحرب غير القاتلة، والتي تحقق تأثيرات حاسمة على القوى المضادة، لذلك لاقت في السنوات الأخيرة اهتماماً بتطوير أساليبها واستخداماتها، وبما يتواكب مع تطور الإستراتيجيات، ونظم التسليح والقيادة والسيطرة؛ بل وتطور أهداف الحروب ذاتها في القضاء على قدرة الدولة في الاستمرار في إدارة الصراع والعمل على تغيير أنظمتها السياسية، بنظم تقبل التبعية للقوى التي تشن الحرب.

أصبحت العمليات النفسية من أهم الآليات التي تدعم الصراع المسلح، ذلك أن الإستراتيجيات الحديثة حددت إحداث 100% خسائر في الروح المعنوية للعدو، إلى جانب 50% خسائر مادية، قبل توجيه أي هجوم بري حاسم. ويأتي قتل الروح المعنوية كأحد إجراءات العمليات النفسية الملازمة لعمليات عسكرية، تخطط بأسلوب علمي ونفسي سليمين. وقد أصبحت العمليات النفسية عاملاً رئيسياً في إدارة الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من أجل تحقيق هدفٍ محددٍ يحقق مصالح الخصم بين الدول والقوى المختلفة؛ فضلاً عن أنها تمثل إحدى أدوات فرض الإرادة على الطرف الآخر، قبل القضاء عليه واحتوائه.

وتعتمد العمليات النفسية الحديثة على قاعدة سيكولوجية، تستهدف التأثير على اتجاهات الهدف (الأهداف المخاطبة) وسلوكياته، حيث يلجأ المخطط إلى الطرق والأساليب التي تؤثر على الإدراك الإنساني لإحداث التغيير (لدى العدو) في اتجاهاته وقيمه وإرادته وأفكاره، قبل نشوب الصراع المسلح.

أما خلال نشوب الصراع المسلح، فيركز مخططوا العمليات النفسية – من خلال المضمون نفسه للتأثيرات السابقة – على إشاعة حالة من الذعر والذهول الجماعي، تؤدي إلى إثارة القلق واضطراب السلوك، ومن ثَم تدمير الروح المعنوية وإرادة القتال لدى الخصم، أو تجعله يتخذ إجراءات خارج قدراته، من أجل تحقيق التوازن أو إثبات الوجود أو تصعيد المنافسة، وبما يؤدي إلى نتائج عكسية مؤثرة، قد تطيح النظام الحاكم أو الدولة نفسها.

بمعني أن مجال العمليات النفسية يتخصص في السيطرة على المعلومة الموجهة لجماهير بمختلف فئاتها؛ خاصة إلى عدو قائم وموجود، أو احتمال وجود هذا العدو.

وترتبط العمليات النفسية رباطاً وثيقاً بعلم النفس الاجتماعي، الذي يهتم بدراسة تركيب التنظيمات الاجتماعية ووظيفتها، ويركز جهوده على دراسة سلوك الفرد في المجتمع، وما ينتج عنها من مؤثرات على تكوين الجماعات الاجتماعية والتفاعلات بين الأفراد. كذلك فإن الحرب النفسية والدعاية كلتيهما عنصران قديمان قدم الجنس البشري نفسه؛ لكنهما أخذتا في العصر الحديث طابع التخصص ما جعلهما يبرزان في الأضواء كموضوعين منفصلين.

وهناك العديد من دروس التاريخ التي حددت إستراتيجية استخدام الحرب النفسية في حسم المعارك الكبرى. وقد أشار إليها المفكر "ليدل هارت" في كتابه" الإستراتيجية وتاريخ العالم"، ونذكر منها على سبيل المثال:

1. أن الحيلة أساس فن الحرب، لذا ينبغي التظاهر بالعجز، عندما تتوافر القدرة على الهجوم، والتظاهر بعدم العمل، عند الرغبة في استخدام الجيوش، وإقناع العدو بأننا بعيدون عندما نكون على مقربة منه، وبأننا قريبون، ونحن بعيدون عنه.

2. أن أفضل الأعمال العسكرية، هي تحطيم مقاومة العدو، من دون قتال.

3. سينتصر من أتقن فن الخداع؛ لأنه فن المناورة.

4. أن أعظم انتصار وأنجحه هو إرغام العدو على التخلي عن مشروعاته وخططه، من دون أن يتحمل الطرف الآخر أي خسائر.

5. علينا أن ندرك أن القدرة العسكرية هي عامل واحد من عوامل الإستراتيجية العليا، التي يدخل في حساباتها قوة الضغط المالي أو السياسي أو الدبلوماسي أو التجاري أو المعنوي؛ وكلها عوامل مهمة لإضعاف إرادة الخصم.

6. أن المفاجأة في الحقل المعنوي تتطلب حسابات أصعب من حسابات الحقل المادي، وتتعلق بشروط مختلفة تؤثر على إرادة الخصم، وتختلف في كل حالة من الحالات.

7. أن الانتصارات التي تحدث من دون إراقة دماء، تعد شيئاً نادراً في التاريخ؛ ولكن قدرتها لاتقلل من قيمتها بل تزيدها؛ فهي تسلط الأضواء على الإمكانيات الكامنة في الإستراتيجية والإستراتيجية العليا، وفي الحرب النفسية.

8. يكون التفتيت لقدرة العدو في الحقل النفسي من خلال التأثير على أفكار القائد، ويزداد التأثير فجأة عندما يرى القائد أنه في موقف غير ملائم، ولديه شعور بالعجز عن مقاومة حركة عدوه. وهي الفكرة التي استفاد منها شيرمان في نهاية القرن التاسع عشر بتنفيذ إستراتيجية "وضع العدو في حالة تستولي الحيرة فيها عليه".

9. أن القائد الألماني الشهير "لودندورف"، الذي قاد القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولي، حدد هدفه الإستراتيجي: "في تفتيت مقاومة العدو، وشل قدرته، وليس قتله". ويدلل على ذلك أن قتل جندي من جنود العدو يعني إنقاص عدد الأعداء واحداً، أما تحطيم معنوياته فيعني بذر بذور الخوف والهلع في صفوف الأعداء، وبما يعجل بهزيمتهم.

10. لنابليون بونابرت مقوله مشهورة: "أن الروح المعنوية هي ثلاثة أرباع عوامل النصر".

وفي إسرائيل فإن كلمة "الدعاية" هي المستخدمة كبديل لمصطلح الحرب النفسية، وتنطلق مبادئها واستخداماتها من المفهوم الدارج والمأخوذ عن الوسائل الأمريكية في هذا الاتجاه.

ومن ثَم، فإن العمليات النفسية تاريخياً، وحثي نهاية القرن التاسع عشر، اعتمدت على العديد من الوسائل، أهمها: "الخداع عن طريق الحيل والإيهام وإثارة القلق والشتائم والتصدي لإدعاءات العدو وتفنيدها وإبراز القوة والتفوق والتحقير من شأن العدو وإطلاق الشائعات والإغراء والتضليل والوعد الكاذب والإرهاب واستغلال الخلافات الدينية والعقائدية".

أولاً: تطور مفهوم العمليات النفسية الحديثة

من المعروف أن أول تعريف للحرب النفسية وضعه الخبراء العسكريون الأمريكيون، وهو "استخدام أي وسيلة بقصد التأثير على الروح المعنوية، وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين". ثم تطور هذا التعريف من قبل مدرسة القوات البرية الأمريكية "لتتضمن الحرب النفسية استخدام الدعاية ضد عدو، مع استخدام عمليات عسكرية، أو إجراءات أخرى، تدعو الحاجة إليها لتكملة مثل هذه الدعاية".

ثم صدر بعد ذلك المعجم الأمريكي للحرب النفسية، وهو يتضمن تعريفاً مطوراً هو أن :"الحرب النفسية هي استخدام مخطط من جانب الدولة في وقت الحرب، أو في وقت الطوارئ، لإجراءات دعائية بقصد التأثير على آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعة أجنبية معادية، أو محايدة، أو صديقة، بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها".

وبعد ثلاث سنوات من هذا التعريف، صدرت طبعة جديدة من هذا المعجم، تطور تعريف الحرب النفسية فيها ليصبح : "هي استخدام مخطط من جانب دولة، أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الإجراءات الإعلامية، الموجهة إلى جماعات عدائية أو محايدة، أو صديقة للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها، بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها".

وكان هذا التعريف هو الأول الذي يشير إلى أن العمليات النفسية تتم خلال كل الأوقات، ولا تتوقف على أوقات الحرب أو الصراع، وهو ما يعني التطبيق العملي للتعريف الذي درج استخدامه في البحرية الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي كان يشير إلى أن المهمة الرئيسية للحرب النفسية هي "فرض الإرادة على العدو بغرض التحكم في أعماله بطرق غير عسكرية، ووسائل غير الوسائل الاقتصادية".

يذكر الجنرال الأمريكي "مارك كلارك"، "أن التغيير الواسع للحرب النفسية يتضمن أي عمل من شأنه أن يجبر العدو على أن يحول رجاله وعتاده من الجبهة النشطة، أو تجعله يقيد رجاله وأسلحته استعدادا لصد هجوم لن يأتي". كما كان أفضل التعاريف للحرب النفسية والعسكرية، هو الذي كتبه عالم الاجتماع "بول لينبارجر"، في كتابه "الحرب النفسية"، وقد عرفها من خلال مجالين:

الأول: بمعناها الضيق: "بأنها استخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية، أو اقتصادية، أو سياسية، مما تتطلبه الدعاية".. وفي هذا المجال فإنه يعرف الدعاية العسكرية: "بأنها استخدام مخطط لأي شكل من أشكال الإعلام، بقصد التأثير في عقول وعواطف مجموعة معادية أو محايدة أو صديقة، وبهدف تحقيق غرض إستراتيجي أو تكتيكي معين".

الثاني: بمعناها الواسع، حيث يعرفها بأنها "تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات، التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية".

وفي هذا السياق، تطرق الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابة "نصر بلا حرب" إلى تعريف سياسي/إستراتيجي للحرب النفسية، بأنها: "النضال من أجل عقول الرجال وإرادتهم"، وربط ذلك بإستراتيجية أمريكا حيال الحرب الباردة، وقال: "يجب أن نكيف سياستنا الخارجية، حتي نوائم إستراتيجية الحرب الباردة من خلال الوحدة والتماسك، وأن يكون في روحنا وعزيمتنا الإصرار على أن نحصل في هذه الحرب على نصر دون خسارة في الأرواح، وكي نفوز في نضال من أجل السلام".

ثانياً: الفارق بين العمليات النفسية والحرب النفسية

يخلط الناس ـ عادة بين "العمليات النفسية" و"الحرب النفسية"، أو قد يلجأ بعضهم – متعمداً- إلى الخلط بينهما؛ ولكن الحقيقة تشير إلى فارق دقيق في العلاقة بينهما، ذلك أن الحرب النفسية هي بمثابة جزء من العمليات النفسية التي تتصف بالشمولية. وعلى ذلك تتحدد الفروق من خلال الآتي:

1. أن العمليات النفسية توجه إلى الدول والجماعات (معادية – صديقة – محايدة – حليفة)، بينما توجه الحرب النفسية إلى أفراد وجماعات الدول المعادية فقط.

2. أن العمليات النفسية – طبقاً لمفهوم الهدف النفسي – تهدف إلى التأثير في آراء وانفعالات وسلوك الأفراد والجماعات (السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية – العسكرية)، لإقناعهم بوجهة نظر المخطط؛ بينما هدف الحرب النفسية الرئيسي هو تحطيم القوي المعنوية للشعب والقوات المسلحة المعادية، وخفض القدرة على القتال.

3. من منظور البعد الأمني، فإن العمليات النفسية مستمرة في جميع الأوقات، تدار في أوقات السلم والتوتر والحرب وما بعدها؛ بينما يقتصر استخدام الحرب النفسية على أوقات التوتر والصراع المسلح فقط.

4. تستخدم العمليات النفسية كافة الطرق والوسائل والأساليب؛ بينما تستخدم الحرب النفسية الطرق والوسائل والأساليب ذات الصفة المعادية فقط.

5. تستخدم العمليات النفسية على كافة المستويات {إستراتيجي – تعبوي (سوقي) – تكتيكي (ميداني)}؛ بينما يبرز استخدام الحرب النفسية على المستويين التعبوي والتكتيكي.

ثالثاًً: مفهوم العمليات النفسية الحديثة

من كل ماسبق يمكن تحديد مفهوم العمليات النفسية الحديثة بأنها:

"استخدام مخطط من جانب الدولة أو مجموعة من الدول للطرق والوسائل والأساليب النفسية، التي توجه أو تشن ضد الدولة المعادية أو الحليفة والصديقة والمحايدة، للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها بطريقة تساعد على تحقيق أهداف الدولة، أو الدول المستخدمة. وهي تهدف إلى خلق وتشكيل الرأي وتنميته من خلال وسائل الإعلام وتعديل وتغيير اتجاهات الرأي العام بواسطة الدعاية والدعاية المضادة والخداع والحركة. كما أنها تُعد بمثابة التهيئة والتعبئة النفسية للرأي والاتجاهات حول قضية ما، سواء سلماً أو حرباً". وهي تتميز بالآتي:

1. يكون التخطيط لها على أعلى مستوى في أجهزة الدولة، أو مجموعة من الدول.

2. تستمر قبل وأثناء وبعد الأزمة، خاصة في مرحلة تصاعد الأزمة في الصراع المسلح.

3. تعدد استخدام طرق ووسائل وأساليب وآليات العمل النفسي.

4. تُشن ضد الجماعات وتوجه للدول الحليفة والصديقة والمحايدة والمعادية في وقت واحد، وتختلف باختلاف الهدف.

5. تتضمن العمليات النفسية أكثر من حملة نفسية (إعلامية – دعائية – إعلانية – علاقات عامة)، ويحدد لكل حملة هدف مخاطب، ومهام نفسية محددة.

6. قد تكون عمليات الحرب النفسية قصيرة أو بعيدة المدى، حيث تشمل أنشطة العمليات قصيرة المدى:
" الدعاية الإستراتيجية – دعايات القتال أو الدعايات المتخصصة، التي تشن العمليات من أجل تحقيقها – نشر وإشاعة الأخبار للتأثير على معنويات العدو – تنظيم إجراءات الخداع بطريقة منظمة ومحكمة – إجراءات الدعاية السرية".

بينما تتضمن العمليات النفسية بعيدة المدى: نشر الأخبار بطريقة مستمرة وبوسائل شتى، بغرض دعم السياسة الخارجية للدولة، وبناء رأي عام مساند للقوات ومعاد للطرف الآخر، إلى جانب الوسائل السابقة، والتي يتم تنظيمها على فترات زمنية طويلة.

رابعاً: مفهوم الحرب النفسية

تعرف الحرب النفسية بأنها :"استخدام أي وسيلة بهدف التأثير على الروح المعنوية للخصم فقط، وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين".

ويرتكز هذا التعريف على نقطتين رئيستين:

1. اقتصار العمل النفسي على الروح المعنوية، وهي جزء من العمل النفسي الشامل للتأثير على أفكار واتجاهات وسلوكيات الفرد عن قناعة، لرفع أو خفض الروح المعنوية لوقت محدد دون أن تكون هناك قناعة للدوافع والمؤشرات.

2. إنها ترتبط بغرض عسكري محدد، أي لا يبرر استخدامها إلا وقت الصراع المسلح، وعلى ذلك فإن الحرب النفسية ليست أفضل أو أسوأ من غيرها من الصراعات الدولية، والاختلاف الأساسي أن الإنسان لا يصاب فيها بضرر جسماني مادي إذا ما قورنت بحروب الأسلحة الأخرى. أما من ناحية تكاليفها، فلا يمكن مقارنة آثارها البالغة على العدو، مقارنة بنفقاتها.

خامساً: أهداف العمليات النفسية الحديثة

عندما نتعمق في تحديد أهداف العمليات النفسية في التاريخ المعاصر، فعلينا أن نستعرض سير ونتائج بعض الأحداث المهمة المؤثرة، والتي شغلت العالم على مدى نصف القرن الماضي وحتى الآن، واستخدمت فيها العمليات النفسية بكثافة. وهذه الأحداث مرتبة زمنياًً، تتمثل في الآتي:

1. تطور مجريات وأحداث الحرب الباردة، التي دارت رحاها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستمرت على مدى حوالي أربعة عقود، وانتهت بانتصار حاسم للولايات المتحدة الأمريكية، والتحول من نظام عالمي ثنائي القوة إلى نظام أحادي القوة، تتربع فيه الولايات المتحدة على قمة العالم.

2. أحداث حرب الخليج الثانية عام 90/1991، التي استخدمت فيها الحرب النفسية بأسلوب جديد ومباشر، يهدف إلى قتل الروح المعنوية للشعب والقوات العسكرية العراقية بنسبة 100%، قبل شن الهجوم البري الرئيسي لضمان نجاحه.

3. حرب البلقان عام 1999، التي نُفذت فيها نظرية "مبدأ" كلينتون، التي تشير إلى تحقيق نصر سياسي من خلال ضربات نيرانية حاسمة، دون شن حرب برية بهدف تقليل الخسائر الأمريكية إلى أقصي حد ممكن.

4. الإستراتيجية الأمريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر2001، والتي شملت إستراتيجية "الهيمنة السريعة"، و"الضربة الإستباقية"، و"إسقاط النظم الحاكمة في الدول المناوئة"، وذلك من خلال عمليات عسكرية، أو حصار اقتصادي وسياسي، وكلاهما مصحوب بشن حرب نفسية رادعة.

5. العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، الذي تميز بشن عمليات نفسية من كلا الطرفين في وقت واحد؛ كل منهما يريد أن يفرض إرادته على الآخر. كما تميزت العمليات النفسية في هذه المعركة، بالتزامن بين العمليات العسكرية والحملات النفسية، وبما يضاعف تأثيرها.

6. العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 – 2009. وقد كان شن العمليات النفسية من جانب إسرائيل فقط، مع بعض محاولات من الفلسطينيين كردود فعل للتأثير على الخصم. وتميزت العمليات النفسية في هذا العدوان، بتكثيف عمليات الخداع، والتعتيم على جرائم الحرب وإدعاء الضعف، من أجل جذب رأي عام عالمي مؤيد لإسرائيل.

ومن خلال تحليل تلك الأحداث، فإن الهدف الرئيسي من العمليات النفسية يجب أن يتحقق باستخدام حقائق ترمي إلى تحقيق أهداف معاكسه ينجذب الخصم إليها، وهو ما يعتمد على نشر الشائعات وقلب الحقائق نفسها، وتحليل مضمونها بأسلوب مؤثر على العدو؛ كذلك يتحقق الهدف من خلال المصداقية للوفاء بعهود فيما لو انصاع الطرف الآخر لتنفيذ الإجراءات، التي يطلب منه تنفيذها من خلال المنشورات أو الإذاعات، أو غيرها.

ومن جهة أخرى، يمكن أن تتحدد أهداف الحرب النفسية من خلال مستويات الإطار الزمني والمكاني، بمعني "العمليات النفسية الإستراتيجية، والعمليات النفسية التكتيكية".

فالعمليات النفسية الإستراتيجية تهدف إلى تحقيق الاتصال الجماهيري، والذي يوجه إلى جمهور كبير ينتشر على مساحة واسعة، وتكون العمليات النفسية في هذه الحالة غير محددة بزمان أو مكان، ويكون هدفها التأثير على الآراء ووجهات النظر والسلوك في الخارج، في سبيل مساعدة الأهداف القومية للدولة.

وقد يستخدم في العمليات النفسية الإستراتيجية أكثر من عنصر من عناصر الحرب (سياسي – عسكري – اقتصادي – ثقافي)، ويكون هدفها هو إضعاف مقاومة العدو، أو مطالبة الشعب بالتعاون مع القوات المتقدمة، والعمل على عرقلة المجهود الحربي للدولة (عسكرياً)، أو التمرد على النظام (سياسياً)، أو التخريب ونشر الفوضى (داخلياً).

وتنقسم العناصر الرئيسية المستهدفة من العمليات النفسية إلى ثلاثة عناصر أساسية، هي: الجمهور المستهدف، والرسائل، وقنوات البث:

العنصر الأول: ينقسم الجمهور المستهدف إلى ثلاثة أقسام فرعية، هي:

أ. المواطنون: وهم يمثلون الهدف الأكثر أهمية، حيث يتطلب قرار الحرب إقناع مواطني الدولة، وقواتها المسلحة بعدالة القضية، والموافقة على التضحية من أجل تحقيق النصر.

ب. العدو: الذي ستواجهه الدولة، وهو ينقسم بدوره إلى الجيش والمدنيين. ويكمن الهدف من العمليات النفسية هنا، في إقناع العدو بأن ينزع عنه الأمل في النصر، وأن هذا الهدف ضائع؛ وكلما انتهت الحرب مبكراً كان ذلك أفضل لهذا العدو، ومن أجل ذلك، يكون استعراض معطيات القوة والخبرة التاريخية، لتحقيق أهداف الحرب النفسية.

ج. الجمهور المحايد: وهو يمثل الرأي العام الإقليمي أو العالمي، والذي ليس له علاقة مباشرة بالصراع، والهدف هنا هو كسب تعاطفهم، أو – على الأقل – منعهم من مساندة العدو.

والعنصر الثاني: الرسائل: سواء الموجهة للجماهير وسكان المنطقة، أو للعدو. وإذا كانت الرسائل الموجهة للجماهير تستند إلى أساليب إقناع، فإن الرسائل الموجهة للعدو يجب أن تركز على انعدام الأمل في النصر، وغرس الخوف، والتسبب في الارتباك والتردد والرضوخ للاستسلام، أو الهروب من ميدان الحرب.

والعنصر الثالث: هو قنوات البث: وهي الطرق المستخدمة في نقل الرسائل وطرق الاتصال الجماهيري، حيث تُستخدم كل الطرق الإعلامية والوسائل الممكنة، إلى جانب العملاء والمنشورات والتي ينبغي أن تصاغ بصورة علمية سليمة وبأسلوب جذاب، ولغة واضحة ومفهومة للجماهير المخاطبة.

وعلي ذلك.. فإذا نظرنا إلى الهدف من العمل النفسي نظرة فاحصة، نجد أن كل الحروب التقليدية والأعمال السياسية والاقتصادية ما هي إلا صورة من صور العمليات النفسية، التي تهدف إلى إقناع أو إجبار الخصم وفرض الإرادة عليه.

سادساً: مجالات تحقيق أهداف العمليات النفسية

1. المجال السياسي، ويهدف إلي:

أ. تحطيم وحدة الجبهة الداخلية للدولة المعادية، وخلق التناقضات بين فئاتها.

ب. بث الشك واليأس في إمكانية العدو (الخصم) على الصمود والتصدي، وتحقيق النصر.

ج. تشكيك الجبهة المستهدفة في قياداتها السياسية والعسكرية، وزعزعة إيمانها بمبادئها وأهدافها.

د. ردع الدولة المعادية وإرغامها على التخلي عن الأعمال العسكرية، وتحطيم تحالفاتها السياسية.

هـ. دعم روح المعارضة والعناصر المقاومة والتجمعات والأحزاب المناهضة، والعمل على إيجاد مثل هذه الفئات.

و. وفي الوقت نفسه يهتم المجال السياسي في العمليات النفسية بتأكيد وحدة الصف في الجبهة الداخلية الصديقة، والتأكيد على النصر، وتعبئة الشعب نحو شرعية المعركة.

2. المجال الاجتماعي

توجه أساساً إلى الجبهة الداخلية للدولة، لضمان تحقيق أهداف محددة، يتمثل أهمها في الآتي:

أ. التشكيك في المبادئ والعقائد والأيديولوجيات من طريق إثارة الفتن والنعرات القبلية والعرقية والنزعات الطائفية في المجتمع الداخلي للدولة الهدف، وبالدرجة التي تؤدي إلى التشكيك في عدالة القضايا الوطنية.

ب. العمل على زعزعة ثقة الأفراد والجماعات في نظام الحكم، وإثارة الفرقة وافتعال الأزمات بينهما.

ج. محاولة النيل من ثقة الشعب في قواته المسلحة، والعمل على أن يفقد الشعب الثقة في نظامه الاقتصادي والاجتماعي.

د. توجيه الرأي العام إلى اتجاهات خاطئة أو سياسات فاشلة، من جهة الحكومة أو الحكام.

هـ. وفي هذا السياق، فإن العمليات النفسية تؤكد على وحدة الجبهة الداخلية الصديقة، وتدعو الجهود للمشاركة الفعالة في التعبئة لتحقيق الهدف.

3. المجال العسكري

أصبحت العمليات النفسية في المجال العسكري في الوقت الحالي، إحدى الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة في الدول المتقدمة. وأصبحت مهامها ذات تأثير قد يفوق تأثيرات الأفرع الأخرى؛ لذلك، فإن التخطيط العسكري للعمليات النفسية يواكب التخطيط العام للعملية بالكامل وينسق على أعلي المستويات، بهدف تحقيق أهدافه، سواء لدعم قدرات ومعنويات القوات، أو من أجل التأثير السلبي على قوات العدو وتشتيت جهودها، وإفقادها القدرة على القتال. وتتعدد الأهداف كالآتي:

أ. التهيئة والتعبئة النفسية للقوات المسلحة وأفراد الشعب

من أجل زيادة الاستعداد النفسي بين أفراد القوات المسلحة. وهي مرحلة تبدأ قبل بدء المرحلة التحضيرية للحرب، لزيادة الثقة ولرفع الروح المعنوية لدى أفراد الشعب، وتمتد أثناء الصراع المسلح بهدف الحفاظ على الروح المعنوية للشعب وقواته المسلحة، ودعم الثقة في تحقيق النصر.

ب. إنشاء جدار عازل تجاه ما يقوم به العدو من عمليات نفسية، والعمل على عدم وصول هذه العمليات إلى القوات، وإزالة أي آثار لها فيما لو نجح العدو في توصيلها.

ج. قهر الدوافع النفسية لأفراد القوات المسلحة

لا جدال أن الدوافع النفسية (خوف – تعب – ذعر – ملل)، والتي تكمن في أعماق المقاتلين، نتيجة لتعرضهم للظروف القاسية، ومنها الوفاة، وأنواع الحرمان النفسي، يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالإحباط ما يستلزم معه التقليل من التأثير الناتج عن تلك الدوافع الخاصة بعدالة القتال ضد العدو، ورفع الروح المعنوية بشتى الوسائل، مع التأكيد على انتظام النواحي الإدارية والطبية والترفيهية، فضلاً عن توعية الأفراد بوسائل العدو المتوقعة في الحملات النفسية.

د. شن الحرب النفسية ضد العدو

بهدف قتل الروح المعنوية لدى قوات العدو، وفقد الثقة بين قيادته وقواته على جميع المستويات، وهو ما يتطلب تدرج خطط الحرب النفسية على المستويات الإستراتيجية والتعبوية والتكتيكية. وتتحدد الأهداف في الآتي:

(1) قتل الروح المعنوية للقوات المسلحة، والشعب المستهدف.

(2) إحداث شرخ في الثقة بين القيادات والقوات.

(3) إغراء القوات المعادية بالتسليم أو الهروب أو العصيان، نظير امتيازات تتحقق لهم، وبما يؤدي إلى فقد السيطرة على قوات العدو وخلخلة دفاعاته.

(4) ترسيخ فكر الهزيمة في عقول الجانب المضاد، وعلى المستويات كافة.

4. المجال الاقتصادي

أصبح العامل الاقتصادي ذا تأثير كبير في قدرات الدولة، وتحركها خارجياً وداخلياً. ويتوقف تقييم الحالة النفسية للدولة على القدرة الاقتصادية، ومدي تلبية احتياجات الفرد وإشباعه. ومن خلال ذلك تتحدد اتجاهات العمل النفسي وأهدافه، خاصة في ظل النظام العالمي الجديد، بما يمنح القوة الاقتصادية ميزة على باقي قوى الدولة الشاملة؛ ولذلك فإن العمليات النفسية تحقق أهدافاً رئيسية فيما لو وجهت جهودها نحو اقتصاد الدولة المعادية، وإبراز قدرة التأثير على مصادر الاقتصاد، وتأثير الحصار في قدرة حصول الشعب والقوات المسلحة على قوتهم اليومي.

سابعاً: المبادئ الرئيسية للعمليات النفسية الحديثة

يُعد العمل النفسي، منهجاً علمياً يتطلب تنظيماً وإرادة ومتابعة علمية، تبني على أسس ومبادئ رئيسية تضمن لها النجاح، ومن أهمها:

1. تكامل المعلومات ودقتها، مع المعرفة العميقة بالدول المعادية

لا بد أن يحرص المخطط على تكامل معلوماته عن الهدف المخاطب، كما عليه أن يتأكد من دقة هذه المعلومات، حتى يتحقق التأثير المطلوب من استخدامها.

2. الاستغلال الأمثل للدوافع والحاجات الأساسية

وتحدد من خلالها الأولوية والأهمية الخاصة لكافة الاحتياجات الأساسية، وتوظيفها التوظيف الأمثل؛ مثل الموقف الذي قد يتعرض إليه المقاتل (الجوع – العطش – الإجهاد النفسي – المعرفة – إلخ)، ثم استغلال الدوافع الثانوية كالتقدير الجماعي والانتماء، في الضغط على الفرد والجماعة.

3. استغلال العمليات العقلية الشعورية واللاشعورية

وهي ما يطلق عليها الحيل الدفاعية بأنواعها (شعورية – لاشعورية)، وتُعد من أساليب التوافق النفسي لكل نفس بشرية مثل (التبرير – الإسقاط – التقمص – التكيف – الإبدال – التفكيك)، والتي من الضروري التعرف عليها وتحديدها كنقط ضعف، أو تعرض في الأهداف المخاطبة.

4. شمول مركزية التخطيط ولامركزية الإدارة (التنفيذ)

يتطلب التخطيط الشامل للعمليات النفسية على المستوى القومي جهد منظم، يقوم به خبراء متخصصون في كافة المجالات، ويعني بوضع خطة مركزية تلتزم كافة المستويات الإستراتيجية بتنفيذها، على أن يتاح الحجم أو القدر المناسب من اللامركزية خلال الإدارة لتحقيق السرعة والتزامن مع تطورات الأحداث.

5. التقليل من أهمية الموضوع

يستخدم هذا الأسلوب إذا لم يتمكن المخطط من استخدام الأساليب السابقة بنجاح؛ فيعتمد على التصغير من شأن الموضوع والتقليل من أهميته.

6. أسلوب الصمت والتجاهل

يُفضل ألاّ تتولى الحملات النفسية المضادة الرد على كل إدعاءات الحملات المعادية ذات الموضوعات التافهة؛ لذا فإن هذه الموضوعات تواجه بالصمت والتجاهل حتى يطويها النسيان.

7. أسلوب فرض القيود

وهو أصعب الأساليب المضادة، إلى جانب التأثير العكسي على الهدف المخاطب، ذلك أن ثمة قاعدة نفسية أساسية مضمونها أن الممنوع مرغوب. وفي هذا الأسلوب يُحظر الاستماع للإذاعات المعادية، أو تداول المنشورات، كما تفرض عقوبات شديدة على من يخالف ذلك.

العمليات النفسية كجزء من الصراعات/ الحروب الشاملة

أثبتت حروب وصراعات نهايات القرن العشرين والسنوات الأولي من القرن الحادي والعشرين، أن العمليات النفسية هي جزء لا يتجزأ من الحروب الشاملة أو الصراعات في المجالات المختلفة. كما تأكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن العمليات النفسية، أصبحت ضرورة من ضرورات إدارة الصراع، ومن ثم فقد أُنشئت على المستويات المختلفة أفرع العمليات النفسية، التي توجه مسار العمل النفسي ليحدث تأثيره بالحجم والمطالب المناسبة لإفقاد الخصم توازنه.

وبتحليل العمليات العسكرية خلال هذه الحقبة الزمنية، فإن العمليات النفسية، عدّت أحدث أسلحة الحرب التي توجه ضد الفكر والعقيدة والشجاعة والثقة، وضد الرغبة في القتال. كما أنها جزء لايتجزأ من الحرب الشاملة، تشن قبل الحرب وفي أثنائها، وفي أعقابها، ثم إنها لا تخضع لرقابة القانون ولا لمبادئ الحرب، ولا تعرف على أساس وصف الأرض أو نظام المعركة، أو تبعاً لمعارك لها أسماء؛ فهي عملية مستمرة، كما أنها لا تتواءم مع النظريات المألوفة للحرب.

ثامناًً: رأي المعارضين للحرب النفسية

على الرغم من اتساع مصطلح "الحرب النفسية" خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتركيز الجهود في تطوير أساليب استخدامها خلال الحرب الباردة، والتي شاع استخدام الحرب النفسية خلالها، إلاّ أنها صادفت العديد من الاعتراضات عليها – خاصة من الناحية الأخلاقية. وكان أبرز المعارضين لها توماس فانيلتر، وزير الطيران الأمريكي الأسبق، وبني وجهة نظره على "أن الحرب النفسية تتضمن الخداع في علاقاتنا مع الآخرين، وإذا كان الخداع مقبولاً في وقت الحرب، فهو ليس كذلك في وقت السلم، سواء كان موجهاً نحو شعبنا أو نحو الأصدقاء، أو نحو الذين لم يتحيزوا لجانب، أو نحو الشعوب التي استعبدتهما روسيا والصين، وأن الحرب النفسية لا تتفق مع مبادئنا، وليست من قبيل الأعمال السليمة".

إلي جانب ذلك، فإن اللجنة المنبثقة عن الكونجرس، والتي رأسها "وليم جاكسون" في الخمسينيات من القرن العشرين، أوصت الحكومة الأمريكية أن تقلع عن الحرب النفسية. وأشار التقرير إلى ضرورة إلغاء مجلس الحرب النفسية؛ لأن أساس تكوينه "كان سوء فهم للحقيقة التي تقول أن الإستراتيجية النفسية يمكن أن توجد بعيدة عن السياسات والأعمال الرسمية، ويمكن معالجتها معالجة مستقلة بواسطة خبراء في هذا المجال".

وعلى الجانب البريطاني، فإن البريطانيين يفضلون إطلاق مصطلح "الحرب السياسية"، بدلاً عن الحرب النفسية، والتي تعرف بأنها :"تطبيق الدعاية لخدمة الحرب"، وأهدافها الرئيسية هي تمهيد الطريق أمام القوات المسلحة وتسهيل مهمتها".

وهناك تعريف بريطاني آخر للحرب السياسية وهو :"أنها شكل من أشكال الصراع بين الدول، يسعى كل جانب فيه أن يفرض إرادته على خصومه بطرق غير طريقة القوات المسلحة"، وتشير إلى :"أن السلاح الرئيسي للحرب السياسية هو عملية مشتركة بين الدبلوماسية والدعاية".

ولم يقتصر تعريف "الحرب السياسية" على البريطانيين وحدهم، بل امتد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لكي يدلي المفكرون وعلماء النفس والسياسة والصحفيون بآرائهم. وأجمعوا على أن الحرب السياسية مرادفة للحرب النفسية، وأن الهدف الرئيسي للحرب السياسية، هو إضعاف العدو – وإذا أمكن – تدميره بواسطة استخدام المناورات الدبلوماسية، والضغط الاقتصادي والمعلومات الصحيحة والمضللة، والإثارة والتخويف والإرهاب، وعزل العدو عن أصدقائه ومؤيديه.

ومن خلال هذا التعريف الأخير، صاغت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي إستراتيجيتهما في الحرب الباردة، باستخدام كل الوسائل: بدءاً بحرب الأفكار، والتأثير على عقول الرجال وإرادتهم، واستخدام وسائل الدعاية بمختلف مجالاتها، والاحتواء بكافة صوره، والعدوان غير المباشر (من خلال التخريب والتحريض على الثورة، والإثارة، والتشكيك في النظام)، والتنافس المتنامي في مجال التسليح، وفي القفز للوجود بمناطق الثقل الإستراتيجية في أرجاء العالم، وانتشار القواعد العسكرية، وإلي غير ذلك من الصور التي اتسم بها الصراع في الحرب الباردة، والتي نجحت الولايات المتحدة الأمريكية، في النهاية، إلى تحقيق النصر فيها، محققة فكرة ليدل هارت في أن "أعظم انتصار، هو إرغام العدو على التخلي عن مشروعاته وخططه، دون أن يتحمل الطرف الآخر أي أذى".

تاسعاً: المصطلحات الخاصة بالعمليات النفسية

مع نشوء العمليات النفسية كسلاح مؤثر في المجالات المختلفة، حرص العديد من المفكرين على وضع أسس لهذه العمليات، لكي تصبح إحدى العلوم الإستراتيجية الحديثة. ومع تكرار التطبيق واكتساب الخبرات، أمكن استنباط العديد من المصطلحات، التي أصبحت أساساً لتخطيط وإدارة العمليات النفسية على مختلف المستويات والمجالات. وأهم هذه المصطلحات هي:

1. الاتجاهات

هي حالة من الاستعداد العقلي كونتها الخبرات المكتسبة للفرد/ المجموعة، وتؤثر إيجابياً أو سلبياً على استجابات الفرد/ المجموعة للمواقف، التي يتعرض لها. (على سبيل المثال الجنود المتمرسون لديهم مواقف/ اتجاهات سلبية تجاه الإهمال)، كما تعد العاطفة من أهم الاتجاهات المكتسبة.

2. العاطفة

هي الاستعداد للقيام بنوع معين من الاستجابات (مجموعة الانفعالات)، وفقاً للحالة الشعورية الراهنة ولطبيعة الموقف الخارجي، ومن ثم فهي بناء نفسي دائم يتكون تدريجياً من خلال تجارب وجدانية، تؤدي إلى عاطفة حب أو كراهية.

3. الانفعال

هو حالة استجابة معينة لموقف خاص، أو تجربة نفسية، أو خبرة سابقة، تحرك وتوجه سلوك الفرد أو الجماعة.

4. الأهداف النفسية

هي الأشياء التي توجه سلوكيات الفرد أو الجماعة لإشباع احتياجات الفرد/ الجماعة؛ فمثلاً ردود فعل الفرد/ الجماعة في ساحة القتال تعكس سلوكيات إرضاء/ إشباع دوافع داخلية لدى الفرد/ الجماعة، بإظهار الشجاعة أو ثبات كيانها أو كبريائها.

5. السلوك

هو رأي عمل خارجي يصدر عن الكائن الحي لتحقيق هدف ما؛ وقد يكون السلوك فردياً أو جماعياً:

فالسلوك الفردي

هو التصرف الفردي الذي يصدر عن الفرد لتلبية دوافع شخصية، يكون الغرض منها تحقيق الأهداف الشخصية بوصف الفرد وحدة مستقلة، من دون ارتباط بآخرين؛ أما:

السلوك الاجتماعي

فهو التصرف الذي يصدر عن الفرد نتيجة لدوافع اجتماعية أو طبقية، أو بغرض المحافظة على كيانه وشخصيته بوصفه عضواً من أعضاء مجتمع عام (الأسرة – المدرسة)، أو طائفة أو الوطن. ويتضح ذلك في سلوكيات المنافسة والمشاركة الوطنية، أو التقليد.

6. الدوافـع

هي قوة دافعـة وموجه داخلية كامنة تحرك السلوك الظاهر أو الباطن، لتحقيق هدف إيجابي أو سلبي. ويجب أن يؤخذ في الحسبان ضرورة وجود منبه يحمل الدافع ويحركه  من السكون إلى النشاط. والدوافع أما أن تكون فطرية أو مكتسبة.

7. الوازع

هو الاستعداد الفطري والنفسي الذي يؤثر على سلوك الفرد/ الجماعة على الآخرين أو على المجتمع. ويتمثل في (الإدراك – الاستهواء – التقليد – المشاركة الوجدانية).

8. الدوافع المكتسبة

وهي القوة الدافعة التي يكتسبها الفرد من خلال تفاعله مع البيئة، ومن خلال تجربة ناجحة أو فاشلة ودون أرادته، مثل (العقد النفسية – الحيل العقلية).

9. الحاجة/ الرغبة

صورة من صور المنبهات تمثل حالة من النقص تقترن بنوع من (التوتر – الضيق – القلق)، تزول باستكمال هذا النقص. وقد تكون احتياجات غريزية ضرورية مثل (الجوع – العطش – الإدمان – الجنس)، أو احتياجات ثانوية تكون صحيحة بتفاعلات اجتماعية وثقافية، أو مرتبطة بالنواحي الاجتماعية.

10. الباعث

وهو الصورة الثانية من صور المنبهات تشكل موقفاً خارجياً مادياً أو معنوياً تستجيب له الدوافع، مثل (القوانين – اللوائح – الإشارات – الملصقات – المكافآت – الحوافز).

11. الرأي

هو وجهة نظر أو حكم عن موضوع خاص تكون صياغته في عقل الفرد/ الجماعـة، ويتأثر بآراء وأفكار الأفراد/ الجماعات الأخرى أكثر من تأثره بالحقائق، التي قد تكون غائبة عنه.

12. الرأي العام

هو الفكرة السائدة بين مجموعة من الأفراد/ الجماعات تربطهم مصلحة مشتركة إزاء موقف أو سلوك معين، أو مشكلة من المشاكل، التي تثير اهتمامهم أو تتعلق بمصالحهم المشتركة؛ فهو محصلة الآراء والأحكام السائدة في مجتمع ما.

13. الاتصال

عملية تتضمن نقل أو إرسال إشارة، إلى رمز منطوقٍ أو مكتوبٍ أو مصورٍ (رسالة)، من مصدر معين إلى جمهور معين، من طريق وسيلة أو أكثر من وسائل الاتصال؛ وذلك بقصد التأثير في رأي واتجاهات مجموعة من الأفراد والجماعات، وتكون هذه العملية من خلال أربعة عناصر، هي: (المرسل – الرسالة – المستقبل – التغذية العكسية).

14. الإحباط

هو حالة من الحرمان والشعور بالتهديد تتولد لدى الفرد/ الجماعة، نتيجة عائق أو مجموعة من العوائق تحول دون تحقيق هدف حيوي، وتؤدي من ثم إلى اضطراب انفعالي وسلوك مرضي/ سلبي وتدهور في الشخصية، يتولد عنها الميل إلى العدوان، كاستجابة وجدانية في مواجهة الإحباط. ويتدرج العدوان من التهجم اللفظي والنقدي والتأنيب، إلى الاعتداء الفعلي على الآخرين وممتلكاتهم.

15. غسل المخ

غسل المخ (الإقناع الإجباري أو الإصلاح الفكري) عملية تُستخدم لتوجيه الفكر والسلوك الإنساني ضد رغبة الفرد وضد إرادته وعقله، حيث يتولد لدى الفرد خضوعاً لا إرادياً يجعله تحت تسلط نظام لا عقلاني، لا حيلة له فيه.

16. الهدف المخاطب

هو الفرد – مجموعة الأفراد – الجماعة أو الجماعات، التي توجه إليها الحملة أو الحملات النفسية بهدف تغيير آرائها واتجاهاتها وسلوكها، إلى ما يهدف إليه المخطط.

17. الشائعات

اصطلاح يطلق على رأي موضوعي معين، أو مقولة قابلة للتصديق؛ وهي تنقل، عادة، من شخص إلى آخر عن طريق الكلمة الشفهية، أو من خلال أي وسيلة من وسائل العمليات النفسية، دون أن يتطلب ذلك دليلاً أو برهاناً.

18. موضوع الحملة

هو فكرة (رأس موضوع – موضوع كامل) تُستخدم لتحقيق الهدف النفسي، من خلال استغلال مراكز التعرض في الهدف المخاطب. كما يمثل موضوع الحملة جسر/ كوبري لتوصيل المعلومات المتحصلة عن الهدف والسلوك، الذي يحدده مخطط الحملة ومطلوب أن يعرفه الهدف.

19. الاتصال الشخصي

أحد العناصر الرئيسية في وسائل العمليات النفسية (السمعية المرئية)، لتوجيه الأفراد والجماعات، وتكوين آرائه (خلف رأي عام) وينفذ بواسطة شخص أو أكثر يتولى نشر وإقناع الهدف/ الأهداف المخاطبة بموضوع الحملة. ويزيد من قدرات هذا النوع وجاذبية مدي قدرة وحب المتحدث من الهدف/ الأهداف.

20. قائد الرأي

هو شخص/ الأشخاص القائمون بتنفيذ وإدارة الاتصال الشخصي، وهم ليسوا بالضرورة من أصحاب المراكز أو الشخصيات الاجتماعية البارزة، أو من القادة الرؤساء؛ ولكنهم أشخاص موجودون في كل قطاعات المجتمع وتتوافر لهم القدرة على إقناع الأفراد/ المجموعات (اقتصادياً – سياسياً – اجتماعياً)، بما يغير من أفكارهم واتجاهاتهم وسلوكياتهم لخدمة المخطط.

21. الرموز

يلجأ العقل البشري إلى خلق الرموز كعملية رئيسية لتنظيم التجارب الإنسانية العديدة، والتعبير عن الأفكار والعواطف في شكل مبسط، حتى يسهل عليه تبويبها وتخزينها وتذكرها. وتتمثل الرموز في (مقولة – كلمة – نغمة موسيقية – مكان – نشيد – شخص – رسم)؛ فمثلاً يمكن أن تكون الجماعة رمزاً للسلام.

22. التبرير (خداع النفس)

نوع لاشعوري من العمليات العقلية الدفاعية، يلجأ إليها الإنسان لتبرير سلوك يسبب شعوراً بالقلق وعدم احترام الذات، وفي الوقت نفسه يجد هذا السلوك قبولاً في نظر الآخرين، مثل التظاهر بعدم وجود مشاكل لدى الفرد بينما خلاف ذلك هو الصحيح.

23. الإبدال أو التحويل

من العمليات العقلية اللاشعورية التي يلجأ إليها العقل البشري؛ أي إذا وجد العقل الحالة الفعلية عائقاً في موضوعاتها، فإنها تتحول إلى موضوع آخر، غالباً، ما يكون متشابه أو على صلة بالموضوع الأول.

24. الإسقاط

من الأساليب الدفاعية التي يلجأ إليها الفرد لإبعاد الصفات غير المرغوب فيها عن نفسه، فلا يعترف بوجودها فيه؛ بل يراها في غيره من الناس أو يلصقها بغيره. وقد تكون أحياناً لتحقيق رغبة كامنة في الفرد.

25. الإعلاء والتسامي

عملية عقلية يقوم الفرد من خلالها بالتعبير عن دافع ما مكبوت، بطريقة غير مباشرة ومقبولة اجتماعياً، مثل الدافع الجنسي حيث يجد الفرد مجال رياضي وثقافي واجتماعي لتصريف هذه الطاقة بأسلوب مقبول اجتماعياً.

26. الكبت

محاولة الفرد لإبعاد ميل لا يتمشي مع قيم المجتمع وتقاليده، مع محاولة الفرد نسيانها حتى لا يحدث تذكرها شعوراً بالأذى والألم لديه.

27. النكوص

يقصد به الارتداد والعودة إلى مرحلة سابقة؛ إما قد تعود عليها (الاعتماد على الغير) أو اكتسبها وعولج منها (السرقة – الإدمان بأنواعه – تزوير... إلخ). وقد يمتد النكوص ليشمل جميع جوانب شخصية الفرد وميوله واتجاهاته، وقد يظل قاصراً على ناحية معينة، وغالباً ما يصاب الفرد بالنكوص عند الخوف أو تعرضه لمشكلة قوية.

28. الروح المعنوية

يقصد بها الروح أو المزاج السائد بين مجموعة من الأفراد، الذين يتميزون بالشعور بالثقة في الجماعة وبثقة الفرد في دورة الجماعة؛ كذلك الشعور بالولاء تجاهها والاستعداد للكفاح من أجل تحقيق أهداف الجماعة، أي أن الروح المعنوية لمجموع هذه الجماعة تشير إلى وجدانها وتماسكها.

29. المظاهرة/ الإضراب

هي تجمع منظم لعدد كبير من الأفراد، ينفذّ بهدف الإعلان عن اعتراضهم على قضية/ حدث/ قرار، اتخذ على مستوى (الهيئة/ المؤسسة/ الدولة). وقد تلجأ مجموعة المتظاهرين إلى استخدام العنف خلال مراحل المظاهرة.

30. المسيرة

هي تجمع منظم لعدد كبير من الأفراد، ينفذّ بهدف الإعلان عن تأييدهم ودعمهم لقضية أو حدث متخذ على مستوى الدولة. وقد تلجأ المسيرة في أحد مراحلها إلى استخدام العنف.